وصف العريش من كتاب العريش الماضي والحاضر


وصف العريش 1906م

·       وقد كتب نعوم شقير واصفاً العريش في هذه السنة :
العريش مدينة شهيرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط على نهاية وادي العريش من جهة البحر وهي تشمل قلعة العريش التي تقع على تلة مرتفعة جنوب البلدة وبابها يفتح على سوق البلدة "سوق الخميس الحالي" , وقد وصف القلعة من داخلها كما ذكرنا سابقا.
هي بندر فيها حوالي ستمائة بيت مبني بالطوب اللبن ووصف البيت مُكون من عدة غرف وساحة كبيرة بالداخل محاطة بسور تعتبر حديقة صغيرة يزرع فيها الليمون والخضروات , كما يكون بهذه الساحة أماكن للدواب والطيور , وفي واجهة البيت غرفة كبيرة للضيافة تسمى (مندرة) , وأن الأسوار مرتفعة حتى لا يُرى ما بداخلها _ويسمى بالبيت العرايشي_.
وللبلدة سوق صغير بجانب القلعة فيها نحو سبعين حانوتاً لبيع الأقمشة والحبوب والزيت والسمن واللحم والصابون والبن والفاكهة والخضر.
فيها جامع صغير يضم قبر الشيخ محمد الدمياطي , وقد جُدد هذا الجامع بأمر سمو الخديوي , واستُخدم في بنائه بعض أحجار من القلعة الرومانية الكائنة على جبل لحفن ونُقش على عتبة بابه.
أُُنشأ هذا المسجد المبارك في عصر خديوي مصر عباس حلمي الثاني أدام الله أيامه سنة 1317هـ / 1899م.
·       بها مدرستان:
- مدرسة وطنية : فيها نحو تسعين تلميذاً يعلم فيها القراءة والكتابة العربية وتحفيظ القرآن الكريم.
- ومدرسة لجمعية إنجيلية : فرع من مدرسة المرسلين الإنجليز في غزة , فيها نحو خمسين تلميذاً تدرس فيها العربية والإنجليزية ومبادئ الحساب والجغرافية.
·       فيها محكمة جزئية تابعة لمحكمة الزقازيق الكلية , ومحكمة شرعية.
·       فيها بعض البوليس الوطني , وناظر مصري , ومفتش إنجليزي.
·   تقع في الطريق التجاري الشهير الذي يربط مصر بالشام , كما بها خط تليغراف , وخط تليفون , ولها بريد اسبوعي يُحمل على الإبل يربطها بمصر.
·       للمدينة جبانتان:
- جبانة قديمة إلى الشمال الشرقي للقلعة.
- وجبانة حديثة غرب القلعة.
- وفيهما عدة قباب يتم زيارتها ولم يُعرف بالتأكيد عن أصحاب هذه القباب أو تاريخهم.
أ) قبة الشيخ جبارة: وتقع في جبانة العريش القديمة , وقد رمم هذه القبة عثمان بك فريد أيام كان محافظ للعريش , وبُنى بجانبها سبيل ماء , وقد وُجد على هذا السبيل حجراً تاريخياً كان فوق قبر نجلين لجد من أجداد العرايشية وصورة المنقوش على الحجر:
لا إله إلا الله صدقاً , المرحومين نجلي محمود أغا جعل الله الجنة لهما المأوى سنة 987هـ / 1579م.
ب) قبة الشيخ نصار أبو جرير:  وهي في جبانة البلدة الحالية غربي القلعة , وهو من الجرارات.
ج) قبة الشيخ عبد الله: وتقع في شرق المدينة وهي حديثة العهد قيل أن أحد محافظي العريش رأى في المنام أن هذا الشيخ ولي تجب زيارته , فبنى على قبره قبة.
1) آبار مدينة العريش:
- بئر عطوان :
في الجهة الشمالية الغربية من القلعة على بعد 500 متر , وهي بئر قديم العهد مبني بالحجر , وهي أعزب آبار العريش ماءً ويشرب منها سكان المدينة , وقد أقامت محافظة سيناء طلمبة لرفع الماء عليها.
- بئر الجامع , وبئر القلعة :
وماؤهما يميل إلى الملوحة ويتم الاستخدام لحديقة القلعة.
- بئر الشرفا :
وهو على بعد حوالي مائة متر من بئر عطوان ويُستخدم للبناء.
- مستشفى ومحجر صحي :
كان في شرق البلدة جمرك ومحجر صحي للإبل والخيل التي تأتي من الشام , وقد تم إلغاؤهما بعد الثورة العرابية.
في سنة 1906م حولت المحافظة المحجر إلى مستشفى , وأنشأت فيه حديقة متسعة من أشجار الفاكهة والخضر بجوار القلعة , وبالمستشفى طبيب من ضباط الجيش المصري , وقد أنشأت المحافظة محجراً مؤقتاً عند قبة ياسر.
2) ضواحي مدينة العريش :
كانت بعض المناطق في ذلك الوقت تُسمى ضواحي وهي :
·       نخل أبي صقل :
وهو شرق المدينة على نهاية وادي العريش من الجهة الشرقية وبها نخيل كثير وأرض زراعية ويُزرع فيها العنب والتين , وآبار ماؤها قريب , وقد رُكبت عليها شواديف[1] لزراعة الخضر.
·       قبة ياسر :
فهي تقع على تل مرتفع على شاطئ البحر في مكان يدعى اليزك ذكره الشيخ "عبد الغني النابولسي" سنة 1143هـ في رحلته ذكر عن مدينة العريش قائلاً "في تلك البلاد مكان مبارك يقال له اليزك , ويقال أنه متصل بالغار الذي في بلاد الخليل".
وقد جَدد بناء هذه القبة عثمان بك فريد , وفي سنة 1318هـ مات ابن عثمان بك فريد فدفنه عند القبة.
وتوجد بئر تُعرف ببئر اليزك تم تجديدها بأمر الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1898م وبني لها حوض سبيل وماؤها أعزب من آبار المدينة , وبجوار هذا البئر المحجر الصحي الجديد _تبع قبة ياسر_.
بجوار القبة إلى جهة البحر قبر عليه شاهدان من الرخام حفر على الشاهد الشرقي شجرة ورد جميلة , وعلى الغربي كتابة بالتركية تعني "هو الحي الباقي" والترجمة انتقل إلى دار البقاء المغفور له "المير ميران" أمين أغا الانكشارية الهمايونية الذي كان محافظا للعريش سنة 1197هـ / 1783م , والقبر الآخر منقوش عليه بالعربية:
"قل هو الله أحد , الله الصمد , لم يلد ولم يولد , ولم يكن له كفواً أحد".
هذا قبر المغازي في سبيل الله الحاج حسن بن طلحة.
·       حُلة المساعيد :
وهي على نحو أربع أميال من العريش , وبها حديقة متسعة من النخيل والفاكهة , وبها بئرالمساعيد على السكة السلطانية قريب من الشاطئ , وبها بئر أخرى عزبة الماء , وحينما كان عثمان بك فريد محافظا للعريش استعزب ماء هذا البئر فحصرها في برميل ومنع العامة عنها واستغنى عن ماء القنطرة الذي كان يؤتى له وللمحافظين السابقين , واستمر على هذا الحال المحافظين الذين جاءوا بعده.
ثم جاء المحافظ محمد إسلام بك وبنى كوخاً من الخشب لأجل حمايتها , وتلك المنطقة "المساعيد" التي استراح فيها الصحابي الجليل عمرو بن العاص لفتح مصر.
ويذكر أن مقولة المساعيد هي على لسان هذا الفاتح العظيم , حينما قال "مسائكم عيد".
3) سكان العريش 1906م :
ذكر نعوم شقير أنهم عدة فرق متمثلين في أولاد سليمان والأغوات والكشاف والشرابجة والشرفا وآخرين.
أما الفواخرية فهٌم عدة فرق , وأن العطاوين من سكان المدينة الأصليين كما ذكر السلايمة والفيران.
وقال إن أهل العريش يعملون بالتجارة والزراعة وآخرون يخدمون بالحكومة من عساكر بوليس وكتابا ووكلاء نظار , وأكثرهم يقتنون الإبل , ولهم مهارة خاصة في تربية الإبل وسياستها ونقل الأحمال عليها , بل هم أمهر أهل الجزيرة في ذلك.
كما أنهم يملكون النخيل في الضواحي , وقد اعتادوا عند انتهاء موسم النخيل فيذهب قسم كبير منهم إلى مصر بإبلهم فيؤجرون الإبل لنقل الحبوب والقطن , وفي يناير يعودون لتلقيح نخيلهم والاعتناء بالزراعة من قمح وشعير وبطيخ , كلٌ في موسمه.
وفي مايو يكون موسم حصاد الزرع فينتقل الكثير منهم للحصاد , ثم يجعلون حبوبهم في مطامير _تخزين داخل حفرة خوفاً من السوس وغيره_ , ثم بعد ذلك ينتقل بعض أهل العريش إلى غزة للعمل في موسم الحصاد وتأجير إبلهم لنقل الحبوب , ثم يعودون إلى العريش.
وقد أقرت نظارة الداخلية 1899م أسماء مشايخهم , وتقسيمة العريش كالآتي في ذلك الحين[2] :

العرايشية
الفروع
اسم الشيخ
الحصة بالقيراط

أولاد سليمان وشركاؤهم
الحاج عبد الحليم عبد الله
7

الشرابجة
حسين أبو نجيلة
3

الكشاف والشرفا والحجاجوة
رفاعي محمد كاشف
3
الفواخرية
فريق أول
إبراهيم عبيد
4

فريق ثاني
محمد سميري
4

الغطايسة , الأغوات , والجغانوة , وآخرين
أحمد بدوي
3
الإجمالي


24 قيراط

ولكل فريق مقعد _ديوان_ يجلس فيه رجاله ليتحدثون في شئونهم الخاصة والعامة.
وأكثر أهل العريش فقراء , ولكن فيهم نحو ثلاثين عينا يملك الواحد منهم من الإبل والأغنام والنخيل والأراضي الزراعية ما قيمته خمسمائة جنيه إلى ثلاثة آلاف جنيه من عملة ذلك الوقت , وأثراهم :
"الحاج كُريم عبد الشافي , والحاج يوسف عبد الله الطنجير" (من العرايشية).
"والشيخ عطية حسين الغول , والشيخ صبيح محمد الصبايحة" (من الفواخرية).
"والحاج محمد صالح البلك وإخوانه , وفريق من الشرابجة".
وعند إنشاء الجمعية العمومية المصرية في أول مايو سنة 1883م أُعطي للعريش حق النيابة فكان لها مع الإسماعيلية عضو واحد في الجمعية العمومية , وكان لها مع سائرمحافظات القطر عضو واحد في مجلس الشورى.
وفي 6 يناير سنة 1908م في آخر انتخاب للجمعية العمومية مَثل العريش والإسماعيلية الشيخ عبد الوهاب خطابي "من أولاد سليمان العرايشية".
وكان في بلاد العريش من يتولى تأجير الإبل للسياح والتجار وموظفي الحكومة من أهل العريش , وكانت أجرة الجمل الواحد لموظف الحكومة ثمانية قروش صاغ , وأجرة الجمل من العريش للسفر من العريش للقنطرة أو العكس خمسين قرشاً.
ولما دخلت العريش تحت إدراة الحربية وزادت الحاجة إلى الإبل فتم عمل مناقصة رست على الشيخ أحمد أبو ذكري , وصار الاتفاق بينه وبين محافظ سيناء سنة 1914م.
4) العريش والحرب العالمية الأولى 1914م:
·       عاشت العريش هذه الفترة بين أمرين :
أحدهما يسعى إلى نموها وسعتها وزيادة عمرانها.
والأمر الآخر تقويض ازدهارها , فقد أصبحت المدينة عاصمة كل سيناء لعوامل طبيعية وبشرية وأغراض إنجلترا الاستعمارية.
قام جمال باشا القائد العسكري العثماني بإرسال جيش بقيادة ممتاز بك لاحتلال مدينة العريش والإعداد لمهاجمة قناة السويس , لذلك تعرضت المدينة لقنابل السفن البريطانية وأحالت أغلبها إلى أكوام تراب , وهي المرة الثانية خلال قرن تُدمر فيها المدينة تدمير شبه كامل حيث الدمار الأول كان 1799م "الحملة الفرنسية" وهذه المرة قيام الجيش البريطاني بضرب المدينة من الجو والبحر في 18 مايو عام 1916م لتمركز القوات التركية فيها لقُربها من دفاعاتهم في فلسطين وسوريا _أي دفاعات الأتراك_ بالإضافة إلى موقعها البري الهام , وامتلاكها لمرسى وتوافر الماء العذب وغيره من الخدمة للقوات.
كرر البريطانيين قصفهم للمدينة والمطار في يونيه 1916م انتقاماً من هجوم القوات التركية , ثم بعد ذلك قامت القوات البريطانية بملاحقة القوات التركية في كل سيناء , وقد رافق ذلك بناء خط السكة الحديدية , وخط أنابيب مياه لإمداد القوات البريطانية بالماء والسلاح والغذاء.
وبعد ذلك رُفع خط الماء إلا أن خط السكة الحديد قرب المسافة بين العريش ووادي النيل , وكان له دور في العلاقات رغم الإجراءات الاستعمارية الصارمة التي كانت تسعى إلى فصل سيناء كلها عن مصر , وكانت العريش أهم محطة لهذا الخط _السكة الحديد_ , وهذه المحطة جذبت العمران حولها لخدمة المسافرين والعاملين , وأصبحت المنطقة المحاذية للمحطة تمثل عمراناً جديداً.
وفي عام 1917م واصلت القوات البريطانية ملاحقة القوات التركية في غزة للوصول إلى القدس , والمهم أن نذكر في ذلك أن جهد العمال المصريين واللذين عملوا في قطاعات مختلفة أثناء الحرب إلى جانب الحلفاء وأنهم عانوا من المأساة , ولم يذكر كل هذا الجهد المصري عن تلك المرحلة[3].
·   لم تحفظ إنجلترا هذا الجميل لمصر التي قامت بعد ذلك بالإعتداء على مصر والاشتراك مع إسرائيل بل هي صاحبة ومؤيدة للكيان الإسرائيلي في إسرائيل إلى الآن , وهي صاحبة فكر العزلة لسيناء[4].
بعد إنتهاء أحداث الحرب العالمية الأولى وبسط البريطانيين سيطرتهم على مصر ومنها سيناء , قامت بمعاقبة الكثير من أهل العريش وذلك لوقوفهم مع الأتراك من باب أن الأتراك مسلمين , والإنجليز مثلهم مثل الصليبيين وليس لهم عهد أو ميثاق.
فعلى سبيل المثال لا الحصر أصدرت السلطات الإنجليزية حكماً بالإعدام على نقيب الأشراف في سيناء السيد خليل حمدان الشريف وسجن أخيه إسماعيل في العريش , ولولا مبادرة بعض الوجهاء من العريش ومنهم الشيخ سمري مرعي والشيخ عطية مطير "شيخ الحويطات في سيناء" بطلب العفو عن المذكورين , وقد تم لهم ذلك[5].
كما تم سجن إبراهيم عطية الغول[6] بالعريش لضرورة محاكمة والده الشيخ عطية حسين الغول المتعاون مع الاتراك , إلى أن تدخل الشيخ عمار حمدان الغول وآخرين بطلب العفو عن الشيخ عطية وإعطاؤه الأمان بالعودة للعريش والإفراج عن ابنه.
وبعد عودة الهدوء إلى المنطقة شرع الإنجليز تحت شعار مصلحة الحدود بإقامة معسكر حربي في المدينة يضم مدرسة للبيادة وأخرى للمدفعية ومستشفى للجيش[7].
وأن هذه المنشآت قد دفعت بعض الأهالي للامتداد العمراني حولها مما أفضى بدوره إلى امتداد المدينة , وقاموا بإصلاح مطار العريش الذي كان موجود قبل الحرب , وكان ذلك الغرض منه التمكن في المدينة والخوف من تكرار ما حدث من الأتراك سابقاً.
وشيدوا مدرسة إبتدائية تابعة لوزارة المعارف العمومية , والراجح أن غيرها من المدارس قطاع خاص , كما تم تحويل المحجر الصحي إلى مستشفى عسكري وإلحاق مستشفى بكل من المنشآت العسكرية , مما يُدلل على أن حجم القوات البريطانية كبير ولا يعني ذلك تغيير موقع العريش الأصلية ولكن الإتساع العمراني لهذه الفترة , وبعد الهدوء وصل العمران في موقع العريش الأصلية إلى نحو 1000 بيت مبنية بالطوب النيء مصنوع من الطين وعليه خليط من التبن ليصبح متيناً.
وأهم الأحداث لهذه الحرب بالنسبة للعريش هو إنشاء خط السكة الحديد الواصل من القناة حتى فلسطين , والذي دمرته إسرائيل في حرب 1967م واحتلالها لسيناء وقيام الإنجليز بدور سيء وهو عزلة سيناء _ومنها مدينة العريش_ إلا أن ذلك انتهى مع السنين وبقيت العريش تحت الحكم العسكري البريطاني , ومن ثَم الحكم العسكري المصري بعد سنة 1952م حتى تبعيتها للحكم المحلي بالقرار الجمهوري الصادر من الرئيس الراحل محمد أنور السادات رقم 811 لسنة 1974م الذي انضمت بناءً عليه سيناء إلى الحكم المحلي للمرة الأولى في تاريخها , وأصبحت وحدة من وحداته وعاصمتها العريش وذلك في 29 مايو 1974م.
5) العريش حتى الحرب العالمية الثانية:
لم تتعرض العريش خلال الحرب العالمية الثانية لأي دمار أو خراب مباشر , ولكنها أصبحت مستوطنة للجيش البريطاني , وتم استنزاف مواردها , ومن الحرب العالمية الأولى حتى هذه الحرب زاد عدد سكان مدينة العريش وبدأ أهل المدينة في أعمالهم المتمثلة في التجارة من وإلى فلسطين.
كما كانوا يقومون بإرسال طائر السمان إلى بورسعيد , وقد كانت تمارس حرفة صيد السمان من شاطئ العريش حتى بئر العبد , وهذا الطائر _السمان_ يأتي مهاجراً من المناطق الباردة من جزر أوروبا , وكان يتم الصيد بطريقتين :
الأولى : نصب الشباك الكبيرة والتي يصل ارتفاعها إلى أكثر من ثلاثة أمتار.
والثانية : عن طريق الشباك الصغيرة , وتستخدم بأسلوب وضعها بين الأشجار على الأرض , وتعتبر أهم مناطق هذه الطيور هي منطقة الزرانيق , وهي اليوم محمية طبيعية ممنوع الصيد فيها , وتتبع مدينة العريش.
كما كان صيد الأسماك يشكل دخلاً للعاملين في هذا العمل , وقد كان الصيد في مصر يتبع نظام المصايد وفق نظام الإلتزام لمن يدفع أعلى سعر في السنة , وتم هذا النظام على بحيرة البروديل حتى سنة 1903م حين صدر قرار حكومي باتباع نظام الضريبة وإباحة حرية الصيد بتصاريح وتراخيص يحصل عليها الصيادون بعد دفع الرسوم ثم بعد ذلك تم تعميم هذا المشروع على جميع البحيرات عدا بحيرة البردويل[8].
وكانت بحيرة البردويل (أشتوم البردويل)[9] _حسبما تُطلق عليها الوثائق_ تابعة لمصلحة المطرية القائمة على شأن المصايد , وفي عام 1850م حاولت الحكومة المصرية ضبط عملية شحن الأسماك وتصديرها إلى يافا , فقامت بإرسال فرقة حراسة إلى بحيرة البردويل , وأصبح على الصيادين أن يكون لديهم تراخيص بمراكب الصيد وعدد الأفراد عليها.
ثم بعد ذلك كان يتم تأجير أشتوم الزرانيق عن طريق المزاد , ففي عام 1881م تم تأجيره بمبلغ مائة جنيه إلى "محمود عبيد وهو من أهل العريش" , ثم تم لاحقاً ضم الزرانيق إلى البردويل , وأصبحت البردويل والزرانيق تطرح في مزاد علني سنوي , وكان المتعهد في هذا المجال هو أحمد بك ذكري (من العريش).
وقد نشط العمل في الزراعة التي كانت في أغلبها على الأمطار , وكانت بعض الآبار في حوض العريش , كما تم تجديد وإضافة لزراعة النخيل على الشاطئ وزراعة كروم التين والعنب والرمان وبعض الزراعات التي تسمى "السراديب" وهي حفرة بعمق ثلاثة أمتار ومستطيلة بعرض عشرين متراً وطول من أربعين إلى ستين متراً , حتى تكون قريبة من مياه الرشح , فتتم زراعة الخضر والفاكهة بالإضافة إلى زراعة النخيل.
وقد كان لصيد الأسماك وصيد طائر السمان والزراعة أثر في النشاط التجاري من بعد الحرب العالمية الأولى , ونشط سوق المدينة الكائن بجوار القلعة وأصبحت التجارة في الأقمشة والحبوب.
ومنتجات زراعة المدينة لها حركة تجارية بالاضافة إلى الحركة التجارية من الشام والعكس , والتجارة من وإلى مصر أفضل مما كانت عليه في وقت سابق , واتسع سوق المدينة مضيفاً منطقة لأعمال الحدادة والنجارة , حيث كانوا يُصنعون طلبات المدينة وتلبية طلبات مرتادي السوق من أدوات زراعية وغيرها كان لا يقوم بتصنيعها إلا هؤلاء.
كما ذكرنا لم تتعرض العريش خلال هذه الحرب _الحرب العالمية الثانية_ إلى خراب أو تدمير , ولكن قيام الاستعمار الإنجليزي بعزل سيناء وعدم الدخول والخروج منها إلا بتصريح من المخابرات الإنجليزية أثر على استمرار حركة النمو والإزدهار في المدينة , إلا أن أهل العريش وكل أهل سيناء عاشوا صامدين مرابطين مرتبطين بمصر , ولم يؤثر عليهم هذا الاستعمار الغاشم الجاسم على صدورهم عشرات السنين.
هذه المرحلة تُعتبر مرحلة النشاط العلمي لأهل العريش , حيث كان من سبقهم قد تعلموا عن طريق الكتاتيب لحفظ القرآن وتعلم القراءة فأصبحت هذه الكتاتيب مراكز علمية.
ومن ضمن هذه الكتاتيب كان كُتاب الشيخ إبراهيم أبو ريدة , والشيخ حمدان الرطيل , والشيخ كامل سلامة الشوربجي , والشيخ حمادة الأهتم وآخرين.
إلى أن تم افتتاح مدرسة أميرية مقتصراً علمها في تحفيظ القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية , ومدة الدراسة بها أربع سنوات للمرحلة الأولى , ثم خمس سنوات للمرحلة التي تليها , ثم على من أراد الدراسة التوجيهية أن يسافر إلى الزقازيق , وقد سافر فعلاً من أبناء العريش إلى الزقازيق للدراسة.
وفي عام 1933م قام كلاً من : محمد حمدي عواد , وعباس صالح محمد , وحسين محمود جاسر , وحسن عبد المتعال البلك , بإنشاء مدرسة أهلية مقرها شارع 23 يوليو "محلات باتا الآن" , ثم بدأت الدراسة بتعليم اللغة العربية والإنجليزية وانضم بعد ذلك إليهم الأستاذ محمد محمد عوض ومصطفى حسين عيد , وحسن الزميلي , واختاروا محمد عواد تايه ناظراً للمدرسة[10].
وقد سبق هؤلاء المذكورين من كان يكتب ويقرا بطريقة جيدة يتبين ذلك من العقود العرفية في تاريخ قديم وتوثيق بعض حالات الزواج , واستمر أبناء العريش في البحث عن العلم وبرز منهم الكثير في كل التخصصات وفي كل المجالات , وسيأتي في سياق الأحداث.
وممن عمل في مدينة العريش واعتز بها في عام 1934م الضابط محمد نجيب الذي أصبح فيما بعد أول رئيس لمصر بعد الثورة[11] وكثيرين ممن عملوا في مدينة العريش وأثنوا عليها وعلى أهلها ثناءً حسناً , منهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الراحل محمد أنور السادات والفريق عبد المنعم رياض وآخرين.



[1] ) جمع شادوف وهو : بئر من الماء يتم رفع الماء منه بحبل بطريقة مستمرة ووضعه في شبه خزان تسير منه المياه للزراعة.
[2] ) نعوم شقير: تاريخ سيناء , ص169.
[3] ) إبراهيم أمين غالي : سيناء المصرية عبر التاريخ (القاهرة 1976م).
[4] ) سالم اليماني : سيناء الأرض والحرب والبشر.
[5] ) نقابة الأشراف الفرعية في شمال سيناء سنة 1427هـ / 2006م.
[6] ) جد المؤلف.
[7] ) فؤاد فرج : المدن المصرية وتطوراتها مع العصور , مطبعة المعارف.
[8] ) د/ صبري أحمد العدل : سيناء في التاريخ الحديث : 1869م  إلى 1917م.
[9] ) المرجع السابق.
[10] ) حاتم عبد الهادي سيد : موسوعة أعلام سيناء , 2003 , 2004م.
[11] ) مذكرات محمد نجيب : كنت رئيساً لمصر , المكتب المصري الحديث 1984م.