المطامع الصهيونية في سيناء _ من كتاب سيناء المقدسة

المطامع الصهيونية في سيناء:

أخذت الصهيونية منذ الفتح العثماني لمصر عام 1517م تتجه بأطماعها إلى المنطقة وخاصة فلسطين باعتبارها الأرض المقدسة اليهم, وقد بينا في صفحات الكتاب تلك الادعاءات والافتراءات لبني اسرائيل في تلك الارض المباركة , وسنلقي الضوء على اطماعهم في سيناء والتي أخذت تظهر بوضوح كأحد ملامح السياسة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر وتحديداً 1897م ويرجع ذلك إلى عاملين أساسيين:
الأول: المساهمة البريطانية من خلال تغلغلها في المنطقة لمساعدة اليهود حيث كان اليهود يعملون في خدمة الامبراطورية البريطانية.
الثاني: تنازل مصر لتركيا 1888م عن قلعة الوجه وضبا والمويلح, والعقبة في 1892م وهو ما ساعد على الرغبة في استقطاع أجزاء أخرى من مصر.
ففي عام 1902م أخذت الصهيونية بزعامة "تيودور هرتزل" بالعرض على الجانب البريطاني في مفاوضات بين الجانبين للحصول على أرض تجمع يهود الشتات معتمدين على الهجرة الكبيرة لليهود في ذلك الوقت وهو ما زاد من مخاوف بريطانيا بسبب الاستياء الشديد الذي أربك طبقات العمال البريطانيين وتدني الأجور التي يحصل عليها اليهود , وكانت تلك المفاوضات تجري من خلال مجموعة من العروض تقدمت بها الحركة الصهيونية:
أ) اقتراح تقدم به هرتزل للسلطان العثماني عبد الحميد عرض فيه ان تتنازل بريطانيا عن جزيرة قبرص لليهود مقابل ان تتنازل الدولة العثمانية عن فلسطين وهو ما أكده بقوله (تسعى الصهيونية إلى تحقيق وطن قومي لغالبية اليهود في فلسطين والاراضي المحيطة بها).
وبذلك استقر الرأي على مناطق ثلاث (قبرص ، سيناء، أوغندا) ، وقد ساعدت الظروف على تشجيع تلك الفكرة حيث كان يتولى (جوزيف تشمبرلين) - المعروف بميوله الاستعمارية-  وزارة المستعمرات البريطانية، واستغلت الصهيونية (جاكوب جرينبرج) -أحد اليهود العاملين في المجال الصحفي- للدعاية لتلك الأفكار،  وهكذا عرضت تلك الآمال في مناقشات طويلة انتهت في بداية الأمر بعدم قدرة بريطانيا في ذلك الوقت بتنفيذها بالنسبة لقبرص وفلسطين خاصة وإن سيناء تدخل في إطار تفاوض مع المعتمد البريطاني آنذاك اللورد كرومر.
وكانت نظرة رئيس وزراء بريطانيا(آرثر بلفور) في تدفق الهجرة اليهودية وزيادة أعداهم بحوالي 100 الف لاجئ يشكلون خطراً واضحاً على المصالح البريطانية ؛ لذا رأى في توظيفهم وتجميعهم في سيناء مما يساهم في مد النفوذ البريطاني لفلسطين ؛ وعلى ذلك تقرر إيفاد بعثة لدراسة المنطقة وكتابة تقرير عن مدى صلاحيتها لانشاء مستعمرات سكانية كخطوة في طريق الهدف المنشود. وبذلك وصلت البعثة الصهيونية سيناء 1903م حيث أمضت ما يقرب من شهر ونصف في عمل دؤوب من مدينة القنطرة حتى مدينة العريش سيرا على الاقدام والإبل ثم أعدت تقريراً كان من أهم ما جاء في بنوده تحديد المناطق في سيناء:
1) منطقة وادي الفرما
2) ذكر التقرير المنطقة الواقعة جنوب بحيرة البردويل ووادي العريش
3) وادي العريش وصحراء التيه وملحقاته
4) جبال التيه ومناطق تساقط المياه
5) الجبال والاودية الواقعة بين المنطقة السابقة والسويس
وقد وضح التقرير إن المنطقة بعد القنطرة شرق هي مناطق قليلة السكان، وأشار بالرقم (2) ووضع رمز مدينة العريش رقم (3) وبها الجهاز الاداري إلى عدد من السكان قدرهم التقرير بـ 4000 نسمة، وتعرض التقرير إلى الحياة الاقتصادية من ثروة حيوانية وزراعية, وأشار إلى مصادر المياه والتربة، ووضح كافة الحلول لعملية الجذب للسكان وكيفية تنمية تلك المنطقة، وأشار بتحديد الحدود للمناطق المستعمرة من شاطئ البحر المتوسط حتى الحدود الجنوبية بخط عرض 29 ، على أن تكون من الحدود الغربية قناة السويس والخليج ، وأكد علىضرورة الحصول على الموافقة اللازمة من الحكومة المصرية لتنفيذ تلك المشروعات. وبدراسة التقرير ، يلاحظ أنه جاء ببعض الفقرات التي تبين مدى رغبة الصهيونية بالاستفادة من تلك المنطقة واستغلالها على النحو التالي :
- أشار إلى ضرورة الاستفادة من الفلاحين المصريين كنوع من أنواع السَخَرة لزراعة الأرض واستصلاحها.
- أشار إلى ضرورة الحصول على مياه النيل بانشاء سحارة تحت قناة السويس لإزالة الأملاح المتواجدة على التربة من جهة وللاستزراع من جهة أخرى كمرحلة أولى من مراحل التوطين في العريش.
- ذكر نسبة عدد السكان التي ذكرها والتي كانت في الواقع حوالي 48 ألف نسمة طبقا للأرقام التي بينتها إدارة المخابرات الحربية للمنطقة في ذلك الوقت ، كما تلاحظ من خلال دراسة التقرير إضفاء ما تكمنه سيناء من ثروات في باطن الأرض, رغم ما أكدته البعثات التي زارت سيناء من قبل والتي أشار اليها  د/ سليمان فتوح في كتابه سيناء بوابة مصر الشرقية بالتفصيل مبرزاً تلك الأطماع وأهدافها ، وهكذا رفعت اللجنة تقرير إلى (تيودور هرتزل), وذلك بالتنسيق مع الحكومة المصرية من خلال اتفاق في صورة اتفاقية تلزم فيها الحركة الصهيونية الحكومة المصرية بتمكين اليهود في الاستيطان.
ودارت مناقشات بين الطرفين تمت في 20 يناير 1903, و 22 فبراير 1903, 25 فبراير 1903, 28 مارس 1903 تم فيها تفنيد كافة بنود التقرير حيث اشترطت فيها الحكومة المصرية أن يكون الوافدين من رعاية الدولة العلمية وأن يكون مكتسبا الجنسية العثمانية وهكذا سدت الحكومة المصرية كافة الثغرات لإقامة دولة داخل سيناء المصرية حيث وضحت الحكومة المصرية "إن المنطقة على حالتها الراهنة غير صالحة للسكن وإن فكرة إنشاء مرافق عامة قد تبدو أمراً غير عملياً بل مستحيلاً وأن الحكومة المصرية تأسف لعدم الاستطاعة بالرد بالإيجاب على الاقتراحات والتي تعتبر مرفوضة بصفة قاطعة ونهائية"([1]).
ورغم ذلك لم تتوقف المحاولات الصهيونية بعد الرفض القاطع من الحكومة المصرية بل اخذ في تجديد المكاتبات الى وزير الخارجية المصرية في 5 يونيو 1903م حيث اشار في خطابه مدى استعداد البعثة على انفاق الاموال الطائلة لارساء مهمتها في سيناء لاستصلاح الارض والاعتماد على جهود المهاجرين من افراد البعثة وان يكون ذلك في صورة امتياز من الحكومة المصرية.
ورغم الجهود التي بذلت من الجانب البريطاني مع الجانب الصهيوني للضغط على الحكومة المصرية جاء رد وزارة الخارجية البريطانية في 26 يوليو 1903م "بناء عليه ياسف "لورد لاندرسون" لعدم استطاعته التوصية بالضغط اكثر من ذلك على الحكومة المصرية لحملها على تغيير موقفها في هذا المفوض"([2]).
وهكذا باتت المطامع الصهيونية واضحة في الرغبة في الاستيلاء على سيناء المصرية تحت مسميات واقتراحات مختلفة مستغلة بذلك كل المحاولات وهو بداية في محاولات عديدة سنتعرض لها في حينه حرصاً على التسلسل التاريخي.


[1] زهير الشايب : النيل في خطر .
[2] المرجع نفسه .