القواعد الواجب إعادة صياغتها في القضاء العرفي([1])
إن قواعد القضاء العرفي -وهي منذ زمن بعيد- قد وضعها الحكماء وعواقل القبائل في سيناء وغيرها من المناطق المجاورة قبل وضع الحدود، وكانت نتاج حاجة المجتمع وتتمشى مع الإمكانيات الخاصة بالمجتمع لتؤدي دورًا هامًا في الضبط الاجتماعي.
وظلت هذه القواعد حتى اليوم دستورًا يُعمل به وبعد التقدم العلمي ووسائل المواصلات والاتصالات الحديثة والتطور العالمي الهائل فقد آن الأوان لضرورة إعادة صياغة وإضافة ما يتمشى مع ما نحن فيه محافظين على التراث الحميد وقواعده الحميدة.
وإعادة الصياغة تتمشى مع الأهداف الأساسية لمقاصد القضاء العرفي في خدمة المجتمع، وتتمثل في الآتي:
أولاً : اختيار القضاة:
كان في الماضي لعامل الوراثة دور كبير في اختيار القاضي، واليوم بعد ارتفاع نسبة التعليم والثقافة وجب أن يكون اختيار القاضي على أساس تمتعه بالتقوى ومعرفة دينه وصدقه وأمانته وحسن سمعته على مدار حياته السابقة، متصفًا بالذكاء والعدالة.
لأن هذه الصفات لابد وأن تكون مجتمعة فيمن يتولى أمر القضاء، وقضاء حوائج الناس.
فإذا توفرت هذه الصفات ومعها عامل الوراثة فلا مانع من ذلك، كما أن القراءة والكتابة ضرورية في هذا العصر للقاضي، كما أن ثقافة تطور الجريمة وكيفية معالجتها أصبح أمرًا ضروريًا يُحتم على القاضي دوام الإطلاع والمعرفة.
ثانيًا : الأدلة:
أصبح من الضروري التعامل مع ما وصل إليه العلم والاستفادة منه، سواء كان ذلك من خلال الأدلة الجنائية والطب الشرعي وكل ما وصل إليه العلم، وعدم الاعتماد على الأدلة التي لا تتمشى مع الشرع والعقل والعلم نهائيًا.
ثالثًا : عملية الجلاء "الرحيل من مكان الجريمة":
بعد التطور الهائل في الحياة المدنية والاستقرار في السكن المنشئ من الطوب والهياكل الخرسانية المسلحة والتجمعات الهائلة بالسكان، والتكلفة العالية لمثل هذه المساكن فقد أصبح لزاما المراجعة في عملية الجلاء نتيجة القضايا الكبرى، ويجب الاكتفاء برحيل الفاعل الشخصي للجريمة، أما عصبته فيجب عليها الالتزام والتصرف بأدب شديد في بداية النزاع، حيث لا يمكننا جلاء أسر مستقرة، وتعطيل عصبة الجاني إذا كانوا موظفين أو أصحاب أعمال تجارية أو طلاب في المدارس أن يجلوا أو يتركوا مساكنهم وأماكن استقرارهم أو وظائفهم أو محل عملهم، مع الأخذ في الاعتبار الاحترام لأهل الحق.
رابعًا : الدَخل:
أصبح هذا الإجراء اليوم يواجه صعوبات مثل التي ذُكرت في عملية الجلاء، كما أن التشريعات القانونية في الدولة المدنية تمنع مثل هذا الإجراء، وهي القائمة على معاقبة الجاني ورد الحقوق، وإن كان في بعض الأحوال هذا الإجراء يوقف جريمة ما، فيجب إعادة النظر في هذا الإجراء بعمل لا يضر الجميع.
خامسًا : الوثاقة "الوساقة":
كان هذا الإجراء يتم بعد إجراءات مُشرعة في القضاء العرفي وله أصول تحكم تصرفاته، وبالرغم من ذلك فإن هذا العمل يتعارض مع نصوص القانون ويقع تحت طائلة القانون الجنائي، فلابد أن يتم مراجعة هذا الإجراء بعملية تتوافق مع تطور المجتمع وتنميته وعدم الإضرار بالمستثمرين، وللحفاظ على هذا الإجراء بعد عمل اللازم اتجاه المماطل يجب أن يكون في المنطقة أمناء يتم التحفظ على أي شيء لديهم لحين الفصل في المطالبة أو إثبات عدم صحة طلب المُوثق للشيء.
سادسًا : الثأر:
كان الثأر يتم سواء من القاتل نفسه أو من أحد أفراد عصبته، وهذا العمل يخالف الشريعة الإسلامية، ولا تقره القوانين الوضعية، حيث إن الحق لولي الأمر في ظل القانون، وهي "الدولة".
والثأر من غير الجاني يُخالف الشريعة الإسلامية صراحة، كما يخالف ناموس الإنسانية الطبيعي، حيث لا يجب القصاص من غير الجاني.
سابعًا : الدية:
في حال الاتفاق على القضاء العرفي والحكم بالدية الشرعية فإن العاقلة تشارك في هذه الدية، وذلك أمر مشروع في الدين الإسلامي في حال قتل الخطأ، أما في القتل العمد فيكون على الجاني ومن ماله الخاص.
ونحن نرى أن الجاني في أي جريمة كبرى يجب أن يدفع من أمواله الخاصة كل ما يملك وإذا نقص عليه شيء فيتم التعاون من العاقلة أو من أهل الإحسان حتى لا تُعطى فرصة لمثل هذا الفاعل أن يكرر فعله.
ثامنًا : الأسلحة النارية:
يجب أن يقتنع ساكن المدينة أو البادية بالالتزام بقوانين وهيبة الدولة، فيتقدم بترخيص سلاحه الخاص للدفاع عن النفس، وإلا قد يتعرض أفراد المجتمع في أي لحظة لحالة انفلات لا تحمد عقباها، وإن القانون في كل دول العالم يجرم حمل السلاح أو استخدامه بدون ترخيص.
تاسعًا : الالتزام:
كان الالتزام في تنفيذ الأحكام العرفية يتم في وجه الكفلاء، وبعد الزيادة السكانية وتنوع الأعمال وتطور الجريمة أصبح ذلك يتطلب إجراءات مكتوبة وموثقة بسندات مالية مع الكفلاء مع أخذ الحذر والحيطة في استخدام السندات.
عاشرًا : الأعمال التي يرفضها المجتمع:
وتتمثل في : قضايا المخدرات، والإضرار بالاقتصاد الوطني، وتجارة السلاح الغير مصرح بها، وغسيل الأموال الغير معروفة المصدر، ويجب أن تُحال مثل هذه القضايا إلى جهة الاختصاص في الدولة لدفع الضرر عن الوطن في هذه المجالات.