شروط اختيار القضاة_ من كتاب القضاء العرفي


لم تُترك عملية اختيار القضاة العرفيين بطريقة عشوائية أو بطريقة مُتغيرات الزمن -حسبما نرى اليوم- من تغير في التركيبة الاجتماعية بل كان لها ضوابط متمثلة في الآتي:

1) الوراثة:

اشتهرت بعض القبائل والعائلات بالقضاء العادل مُتمتعة بالسمعة الحسنة وعدم الميل والهوى.

ولبعض أبنائهم من الخبرة الجيدة والثقة من المجتمع، فتوارث الأبناء عن الآباء هذا القضاء متجسدًا في البعض منهم، وبالرغم من ذلك لا يعتبر عامل الوراثة شرطًا أساسيًا إن لم تكتمل جميع الشروط.

2) السيرة الذاتية:

لابد أن يكون القاضي صاحب سيرة طيبة وسمعة حسنة وأخلاق حميدة، وأيضًا متصفًا بسعة الصدر وحب المجتمع، ساعيًا دون كلل أو ملل لإصلاح ذات البين مُبتغيًا رضا الله سبحانه وتعالى وحب العدالة.

3) الوضع الاجتماعي:

لابد أن يكون القاضي العرفي ذو مكانة اجتماعية بين قبيلته أولاً وبين القبائل الأخرى ثانيًا، مشهودًا له برجاحة العقل وسلامة التصرفات، حكيمًا حليمًا في تعاملاته وجميع تصرفاته منذ صغره

4) قوة القبيلة:

أن يكون القاضي من قبيلة كبيرة وعُصبة قوية تُمثل له الهيبة والاحترام والتقدير بين أفراد المجتمع، حريصًا على أن يكون نموذجًا لأفراد قبيلته أمام كل المجتمع.

5) الخبرة:

أن يكون مُلمًا بقواعد العرف -وهي غير مكتوبة- وحاضر الذهن، لأن الأحكام غالبًا ما تكون سريعة وعلانية، وخبرة القاضي ومعرفته بالسوابق القضائية والقواعد العرفية لها دور كبير في حسم النزاع .

كما أن هذه الخبرة تكون لها الأثر الطيب في حنكة القاضي للمُستجدات وثقافته في متابعة النزاعات وحلها، فتكون لها دور كبير في هذا المجال.

6) العدالة:

أن يتصف القاضي العرفي بالعدالة -حتى وإن كانت على عصبته- لأن العاطفة لا تسير مع العدالة خاصة في النزاعات التي لها آثار على المجتمع.

ولا يستخدم القاضي عاطفته إلا في حالات تخص المرأة والطفل، والنظر إلى درء الخطر في هذه الأحوال والحفاظ على كيانات الأسر، لأن العاطفة في هذا المجال تتطلب من القاضي الصبر ومحاولة الإصلاح للصالح العام.

ينشأ كثير من أبناء القبائل في مسرح الجلسات العرفية يستطيع من خلالها الاستماع إلى كبار القوم لاستيعاب أصول قواعد العرف، إذ أن مجالس القبائل ودواوينهم يروي فيها الشيوخ والوجهاء خبراتهم والمنقول من غيرهم، فينشأوا منذ نعومة أظافرهم مستوعبين ثقافة مجتمعهم.
فيظهر على البعض منهم منذ الصغر النبوغ والاندماج في ممارسات تتناسب مع السن.

ثم ينتقل الأمر في تمثيل هذا الشخص في مجالس الصلح وملازمة الشيوخ والعُقلاء في تحركاتهم والاستفادة منهم، فتتكون لدى الشخصية عدة عوامل -قد ذكرناها- يتم الحفاظ عليها، فينظر المجتمع إلى هذا الشخص واختباره حتى يصل إلى مرحلة الثقة من أفراد مجتمعه.

وقد يكون ذلك متمثلاً في ابن شيخ القبيلة أو القاضي أو أحد أفراد القبيلة، لأن القبائل تشعر بالفخر حينما يكون أحد أبنائها من القضاة المشهورين بالعدل والثقة من الجميع، ويعتبر هذا القاضي عنوان لقبيلته.

كما أن عنصر "نَكت الحق" -ويعني استئنافه- يجعل القاضي حريصًا على حكمه من خلال العدالة حتى لا يكون عُرضه للطعن، يُضاف إلى ذلك -بل على رأس الموضوع- التوفيق من الله -سبحانه وتعالى-.